الاثنين، 21 نوفمبر 2016

الدرس الثاني من قواعد البلاغة الواضحة لأبي مقبل العدني

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس الثاني من قواعد كتاب البلاغة

الدرس الثاني من قواعد البلاغة الواضحة

أقسام التشبيه:

التشبيه المرسل ماذكرت فيه الأداة مثاله(زيد كالأسد في الشجاعة ومحمد كالقمر في الجمال )فالأداك (الكاف ) وهي موجودة في الجملة

التشبيه المؤكد مثاله (زيد أسد في الشجاعة ) حذفت الأداة فصار مؤكد كأن زيد هو الأسد بعينه

التشبيه المجمل ماحدف منه وجه الشبه مثاله (زيد كالأسد) بدون ذكر وجه الشبه

التشبيه المفصل ما ذكر فيه وجه الشبه مثاله( زيد مالأيد في القوة والشجاعة ) وجه الشبه مفصل ومذكور

التشبيه البليغ ماحذف من الاداة ووجه الشبه مثاله (زيد أسد) كأن هو الأسد بعينه فيه بلاغة


تشبيه التمثيل

يسمى التشبيه تمثيلاً : اذا كان وجه الشبه فيه صورة منتزعة من متعدد

وغير تمثيل اذا لم يكن وجه الشبه كذلك
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ

نتأملُ فِي الآيةِ الكريمةِ, فنَجِدُ أنَّ هناكَ تشبِيهَاً, ولكنْ أينَ وجهُ الشَّبَهِ؟ وهلْ أرادَ اللهُ أنْ يُشبِّهَ الحياةَ الدنيا بماءٍ؟ كلَّا, أنَّه لمْ يردْ ذلكَ, بل المرادُ هو التشبيهُ بهيئةٍ مخصوصةٍ, أيْ تشبيهُ حالِ الدنيا فِي نَضَارَتِهَا وبَهْجَتِهَا وَمَا يَتَعَقبها مِنَ الهلاكِ والفناءِ بحالِ النباتِ الحاصِلِ مِنَ المَاءِ, يكونُ أخضرَ ناضراً شديدَ الخضرةِ ثم ييبسُ فتطيِّرُهُ الرِّياحُ كأنْ لمْ يكنْ, فوجهُ الشَّبهِ هنَا صورةٌ لَامفردٌ, وهذِهِ الصورةُ مأخوذةُ او منتزعةُ مِنْ أشياءَ عدَّةٍ, والصورةُ المشتركةُ بَيْنَ الطَّرفينِ هِيَ وجودُ شيءٍ مبهِجٍ يبعثُ الأَمَلَ فِي النُّفوسِ فِي أوَّلِ أمرِهِ ثمَّ لَا يلبثُ أنْ يظهرَ فِي حالٍ تدعُو إِلَى اليأسِ والقنوطِ.



التشبيه الضمني

إنَّ كلَّ مَا مرَّ مَعَنَا مِن أنواعِ التَّشبيهِ كانَ تشبِيهاً صريحاً،
أيْ أنَّ مُنشِئَ العِبارةِ التَّشبِيهيَّةِ قَد عَمَدَ إِلى التَّشبِيهِ فِي عباراتِهِ بصراحةٍ ووضوحٍ، وجاءَ بمشبَّهٍ ومشبَّهٍ بهِ ظاهرَيْنِ يُمْكِنُ الإِشَارةُ إليهِمَا.
ولكنه قدْ يَنْحو الكاتبُ أو الشاعر منْحًى منَ البلاغةِ يُوحِي فِيهِ بالتَّشبيهِ مِنْ غيرِ أنْ يُصرِّحَ بهِ في صورةٍ من صورهِ المعروفةِ
يفعلُ ذلك نُزوعاً إلى الابتكارِ، وإِقامةً للدليلِ علَى الحكمِ الَّذي أَسندهُ إلى المشبَّه، ورغبةً في إخفاءِ التشبيهِ, لأَنَّ التشبيه كلمَّا دقَّ وخَفيَ كانَ أبلغَ وأفعلَ فِي النَّفسِ, ولمعرِفَةِ مَا فِي هذَا النَّوعِ مِنْ التَّشبيهاتِ مِنْ جَمَالٍ وروعةٍ لَا بدَّ مِنْ ذِكرِ مثال له الَّتي

يقولُ أبو الطيِّب المتنبِّي
مَن يَهُن يَسهُلِ الهَوانُ عَلَيهِ ما لِجُرحٍ بِمَـيِّـتٍ إيلامُ

يعني أنَّ الذي اعتادَ الهوانَ يسهلُ عليه تحمُّلهُ ولا يتأَلمُ لهُ، وليسَ هذَا الادعاءُ باطلاً, لأَنَّ المَيْتَ إذا جُرحَ لا يتأَلمُ،
هلْ تجدُ فِي هَذَا البيتِ مِنَ الشِّعرِ تشبِيهَاً؟
إذا وجدتَهُ فَمَا هُوَ؟
وهَلْ يُمكنُكَ أنْ تشيرَ إليهِ بالإصبعِ؟

الجوابُ هو لا, لأنَّه لمْ يوضعْ فِي صُورةٍ مِنْ صورِ التَّشبِيهِ المعروفةِ, ولمْ يأتِ المتنبِّي بتشبيهٍ صريحٍ, فهُوَ لمْ يقلْ: إنَّ الشخصَ الَّذي اعتادَ الهَوَانَ والذُّلَ وصَارَ لَا يَشعُرُ بقسوةِ الإهانةِ, كالمَيْتِ الَّذي لَا يتألمُ حتَّى وإنْ أصابتْهُ الجراحُ, ولكنّنا نَرَى أنَّه يشبِّه ضمناً مَنْ هانَتْ عليهِ نفسُه, فهُوَ لَا يتأثَّرُ, كالمَيْتِ فاقدِ الشعورِ والإحساسِ, وأتَى بجملةٍ ضمَّنَها هَذَا المَعْنَى فِي صورةِ البرهَانِ.

أغراضُ التشبيهِ وفائدته:

الأغراضُ جمْعُ غرَضٍ والمرادُ به الأمرُ الباعثُ للمتكلِّمِ في استعمالِ التشبيهِ، حيثُ إنَّ لكلِّ تشبيهٍ مرَّ مَعَنَا هَدَفاً يُريدُ المتكلمُ الوصولَ إليهِ وغَرَضَاً يُريدُ بيانَهُ,

أهمَّ الأغراضِ الَّتِي تَعُودُ إِلَى المشبَّهِ

أوَّلاً: بيانُ إمكانِ المشبَّهِ، وذلكَ حينَ يسنَدُ إليهِ أمرٌ مستغرب ٌ لا تزولُ غرابتُه إلَّا بذكرِ شبيهٍ لهُ، معروفٍ واضحِ مسلَّمٍ بِهِ، ليثبتَ في ذهنِ السامعِ ويُقَرِّرَ، كقولِ الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾حيثُ اعترضَ قومٌ عَلَى النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فِي شأنِ ولادةِ عيسى عليه السلام, وقالوا: كيفَ يمكنُ أنْ يَكونَ ولدٌ ولَا يكونُ له والدٌ؟! فجاءتِ الآيةُ الكريمةُ لتقولَ من خلالِ هَذَا التَّشبِيهِ: إنَّ هَذَا الأمرَ ممكنٌ, حيثُ لَا ينكرُ أحدٌ أنَّ آدمَ عليه السلام مخلوقٌ مِن غيرِ أبٍ وأم ومَنْ كانَ قادراً عَلَى أنْ يَخلُقَ آدمَ مِن غيرِ أبٍ وأمٍّ، قادرٌ عَلَى خَلْقِ المَسِيحِ مِن غيرِ أبٍ, فشبَّهَ شَأنَ عيسى وحالَتَهُ العجيبةَ بشأنِ آدم
.
ثانياً: بيانُ حالِ المشبَّهِ: حيثُ يكونُ المشبَّه مبهماً غيرَ معروفِ الصفةِ الّتي يُرادُ إثباتُها لهُ قبلَ التشبيهِ، ويكونُ المشبَّهُ بِهِ معلوماً عندَ السَّامعِ بتلكَ الصِّفةِ الَّتي يُقصَدُ اشتراكُ الطرفين فِيها، فيفيدُه التشبيهُ الوصفَ، ويوضِّحُه المشبَّهُ بِه،ِ كمَا فِي قولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم: "مثلُ المؤمنين في توادِّهِم وتراحُمِهِم وتعاطُفِهِم مثلُ الجَسَدِ، إِذَا اشتَكَى مِنهُ عضوٌ تداعَى لهُ سائرُ الجسدِ بالسَّهر والحُمَّى"حيث أرادَ أنْ يُبَيِّنَ حالَ المؤمنِينَ في مودّة بعضهم لبعض وتراحمهم, وهُوَ أمْرٌ مُبْهَمٌ لَا يعرفُهُ المُخاطَبُونَ آنَذاكَ, فجاءَ بمشبَّه بِهِ معلومٍ لديهِم وهُوَ الجسدُ الَّذي يَتَألَّمُ جميعُهُ بِتَأَلُّمِ بعضِهِ، وهَذَا هُوَ الغَرَضُ مِنَ التَّشبِيهِ.

ثالثاً: بيانُ مقدارِ حالِ المشبَّهِ في القوةِ والضعفِ، والزيادةِ والنقصانِ، وذَلِكَ إذَا كانَ المشبَّهُ معلوماً معروفَ الصفةِ الّتي يرادُ إثباتُها لهُ معرفةً إجماليةً قبلَ التَّشبيهِ، بحيثُ يرادُ مِنْ ذَلِكَ التَّشبيهِ بيانُ مقدار نصيبِ المشبَّهِ من هذه الصفةِ، وذلك بأنْ يعمدَ المتكلِّمُ إلى بيان ما يعنيهِ من هذا المقدارِ، كقولِهِ - تَعَالَى -: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾
فشبَّهَ قلوبَهم بالحجارةِ فِي الصَّلابَةِ والقَسوةِ، فَلو لمْ يرِدِ اللهُ تعالى أنْ يبيِّنَ مقدارَ قساوةِ قلوبِهِم لقالَ: "قلوبُهم قاسيةٌ", ولكنَّه أرادَ تَبْيينَ مقدارِ هَذِهِ القَسوةِ وبيان شدتِّهَا, فَجَاءَ بِهَذا التَّشبيهِ لأجلِ ذَلِكَ

رابعاً: تقريرُ حالهِ وتقويةُ شأنِها، و تمكينُه في ذهن السامعِ، قال تَعَالَى-: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ﴾

تتحدث الآية "في شأن مَنْ يعْبدونَ الأوثانَ، وأنَّهم إذَا دَعَوْا آلهتَهم لا يستجيبونَ لهُم، ولَا يرجِعُ إِليهِم هَذَا الدعاءُ بفائدةٍ، وقدْ أرادَ الله - جل شأْنه - أنْ يُقرِّر هذه الحالَ ويُثَبتَها في الأَذهانِ، فشبَّهَ هؤلاءِ الوثنيّينِ بمن يبسُط كفَّيْهِ إلى الماء ليشربَ فلا يصلُ الماءُ إلى فمِهِ بالبداهةِ, لأنَّه يَخْرُجُ من خلالِ أصابِعِهِ مَا دامتْ كفَّاهُ مبسوطتينِ ولأنهما مبسوطتان فلا تجمعان ماء، وينزلق الماء عنهما. فالغرضُ منْ هذا التشبيه تقريرُ حالِ المشبَّهِ

خامساً: مدحهُ وتحسينُ حالهِ، ، كقولِهِ - تَعَالَى - فِي وَصْفِ الحُورِ العِينِ: ﴿وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ﴾12.

وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ هَذَا النَّوْعُ فِي المَدِيحِ والرِّثَاء والفَخْرِ وَوَصْفِ مَا تَمِيلُ إِليهِ النُّفُوسُ,

سادساً: تشويهُ المشبَّهِ وتقبيحُه، تنفيراً منه أو تحقيراً له، بأنْ نصوِّرَه بصورةٍ تَمَجُّها النفسُ، ويشمئزُّ منها الطبعُ، كقولِ اللهِ - تَبَارَكَ وتَعَالَى-: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾15 ضَرَبَ اللهُ مثلَ اللَّاهِثِ
وراءَ الدُّنيا, العادل عن آياتِ اللهِ وهُوَ عارفٌ بِهَا, بأخسِّ مثلٍ فِي أخسِّ أحوالِهِ، فشبَّهَهُ بالكلبِ, لأنَّ كلَّ شئٍ يلهثُ فإنما يلهثُ فِي حالِ الإعياءِ والتعبِ إلَّا الكلب، فإنَّه يلهثُ في حالِ الرَّاحةِ وحال التَّعبِ، وحالِ الصّحّةِ وحالِ المرضِ. وحالِ الرّيّ وحالِ العطشِ، وفي جميعِ الأحوالِ، فقالَ تَعاَلى: إنْ وعظتَهُ، فهُوَ ضالّ، وإنْ لمْ تعظْهُ، فهُو ضالّ, كالكلبِ, إنْ طردتَه وزجرتَه، فإنِّه يلهثُ، وإنْ تركتَه، يلهثُ.والغرضُ مِنْ هَذَا التَّشبيهِ التقبيحُ، وأكثرُ ما يكونُ في الهجاءِ ووصفِ ما تنفِرُ منه النفسُ. وهذا الغرضُ أيضاً لهُ أمثلةٌ كثيرةٌ مشهورةٌ في كلامِ العربِ.

وبالله التوفيق

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More