- المختصر في أحكام الأَيمان
الحمدلله و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله و عليه وسلم ، أما بعد :
الحلف إنما يكون باسم الله تعالى أو صفة له ويحرم بغير ذلك
الأيمان لغة :
قال الحافظ ابن حجر: "الأيمان" -بفتح الهمزة- جمع يمين، وأصل اليمين في اللغة اليد، وأُطلقت على الحلف لأنهم كانوا إذا تحالفوا أخَذَ كلّ بيمين صاحبه. وقيل: لأن اليد اليمنى من شأنها حفظ الشيء، فسُمّي الحلف بذلك لحفظ المحلوف عَليه، وسمّي المحلوف عليه يميناً لتلبّسه بها. ويُجمع اليمين أيضًا على أَيمُن، كرَغِيفِ وأَرْغُف. وعُرِّفت شرعًا بأنها توكيد الشيء بذكر اسم، أو صفة للَّه تعالى. وهذا أخصر التعاريف، وأقربها.
"فتح" 13/ 361.
الأصل في مشروعيّة الأيمان الكتاب، والسنّة، والإجماع،
أما الكتاب، فقوله سبحانه وتعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ}
وقال تعالى: {وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا}
وأمرالله نبيّه - صلى اللَّه عليه وسلم - بالحلف في ثلاثة مواضع، فقال:
في الأولى :{وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ}
وفي الثانية :قال تعالى: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ}
والثالثة فقال : {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ}
وأما السنّة فقول النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إني واللَّه إن شاء اللَّه، لا أحلف على يمين، فأرى غيرها خيرًا منها، إلا أتيت الذي هو خير، وتحلّلتها"، متّفقٌ عليه.
وكان أكثر قسم رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "ومُصَرِّفِ القلوب"، و"مقلّب القلوب"،
وأجمعت الأمة على مشروعيّة اليمين، وثبوت حكمها، ووضعُها في الأصل لتوكيد المحلوف عليه. انتهى
"المغني" 13/ 435
شروط وجوب الكفارة
قال العثيمين :وهي التي قُصد عقدها على مستقبل ممكن» فجمعت ثلاثة شروط:
الأول: قصد عقدها.
الثاني: على مستقبل.
الثالث: على أمر ممكن.
راجع الشرح الممتع
( 15 / 127 – 128 )
متى اختلّ شرطٌ من هذه الشروط لم تجب الكفارة
وقال ابن منذر : أجمع أهل العلم عَلَى أن من حلف، فَقَالَ: بالله أو تالله فحنث أن عليه الكفارة. الإقناع { 1 / 276 }
الحلف بغير لايجوز
قال الشيخ ابن باز رحمه الله
ولا يجوز الحلف بشيء من المخلوقات، لا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا بالكعبة، ولا بالأمانة، ولا غير ذلك في قول جمهور أهل العلم. بل حكاه بعضهم إجماعاً.
وقد روي خلاف شاذ في جوازه بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول لا وجه له بل هو باطل، وخلاف لما سبقه من إجماع أهل العلم وخلاف للأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك، ومنها ما خرجه الشيخان عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت))، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من حلف فقال في حلفه باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله))، ووجه ذلك أن الحالف بغير الله قد أتى بنوع من الشرك فكفارة ذلك أن يأتي بكلمة التوحيد عن صدق وإخلاص ليكفر بها ما وقع منه من الشرك. وخرج الترمذي والحاكم بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك))
وخرّج أبو داود من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من حلف بالأمانة فليس منا))، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون)) أخرجه أبو داود والنسائي، وممن حكى الإجماع في تحريم الحلف بغير الله الإمام أبو عمر بن عبد البر النمري رحمه الله. وقد أطلق بعض أهل العلم الكراهة فيجب أن تحمل على كراهة التحريم عملاً بالنصوص وإحساناً للظن بأهل العلم.
وقد تعلل بعض من سهل في ذلك بما جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حق الذي سأله عن شرائع الإسلام: ((أفلح وأبيه إن صدق)).
والجواب: أن هذه رواية شاذة مخالفة للأحاديث الصحيحة لا يجوز أن يتعلق بها، وهذا حكم الشاذ عند أهل العلم، وهو ما خالف فيه الفرد جماعة الثقات، ويحتمل أن هذا اللفظ تصحيف كما قال ابن عبد البر رحمه الله، وأن الأصل ((أفلح والله))، فصحفه بعض الكتاب أو الرواة، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل النهي عن الحلف بغير الله، وبكل حال فهي رواية فردة شاذة لا يجوز لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتشبث بها ويخالف الأحاديث الصحيحة الصريحة الدالة على تحريم الحلف بغير الله، وأنه من المحرمات الشركية، وقد خرج النسائي بإسناد صحيح عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه حلف باللات والعزى فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: ((قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وانفث عن يسارك ثلاثاً وتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ولا تعد))، وهذا اللفظ يؤكد شدة تحريم الحلف بغير الله؛ وأنه من الشرك ومن همزات الشيطان، وفيه التصريح بالنهي عن العود إلى ذلك.
وأسأل الله أن يمنحنا وإياكم الفقه في دينه وصلاح القصد والعمل، وأن يعيذنا والمسلمين من اتباع الهوى ونزغات الشيطان إنه سميع قريب، والله يتولانا وإياكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
انتهى كلامه
راجع موقعه
هل عليه كفارة من حلف بغير الله؟
اختلف أهل العلم على قولين
القول الأول : قالوا لا تجب و هو مذهب الإمام مالك والشافعي و جماهير العلماء و النووي و ابن منذر و الصنعاني و السعدي وهو الظاهر.
والقول الثاني: قالوا تجب وهو قول عمر وابن عمر وابو حنيفة .
قال النووي على شرح مسلم ( 11 / 107 ): واحتج ( أبو حنيفة ) بأن الله تعالى أوجب على المظاهر الْكَفَّارَةَ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ مِنَ الْقَوْلِ وَزُورٌ وَالْحَلِفُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُنْكَرٌ وَزُورٌ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ {أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ، فَقَالَ فِي حَلِفِهِ: بِاللَّاتِ، فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ،
وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ، فَلْيَتَصَدَّقْ} فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إنما أمره يقول لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ كَفَّارَةً وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا حَتَّى يَثْبُتَ فِيهَا شَرْعٌ وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الظِّهَارِ فَيُنْتَقَضُ بِمَا اسْتَثْنَوْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قال الصنعاني : وَالْأَظْهَرُ عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْحَلِفِ بِهَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ إذْ الْكَفَّارَةُ مَشْرُوعَةٌ فِيمَا أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَحْلِفَ بِهِ لَا فِيمَا نَهَى عَنْهُ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الشَّارِعُ كَفَّارَةً بَلْ ذَكَرَ أَنَّهُ يَقُولُ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ لَا غَيْرُ. . سبل السلام ( 2 /546 )
قال ابن منذر : وإذا قَالَ: هو يهودي أو نصراني إن فعل كذا فيفعل ذَلِكَ فلا كفارة عليه. الإقناع { 1 / 276 }
قال ابن تيمية : فَأَمَّا " الْحَلِفُ بِالْمَخْلُوقَاتِ " كَالْحَلِفِ بِالْكَعْبَةِ أَوْ قَبْرِ الشَّيْخِ أَوْ بِنِعْمَةِ السُّلْطَانِ أَوْ بِالسَّيْفِ أَوْ بِجَاهِ أَحَدٍ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ: فَمَا أَعْلَمُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا أَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ مَكْرُوهَةٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَأَنَّ الْحَلِفَ بِهَا لَا يُوجِبُ حِنْثًا وَلَا كَفَّارَةً. وَهَلْ الْحَلِفُ بِهَا مُحَرَّمٌ أَوْ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ؟ فِيهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ: أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ مُحَرَّمٌ. المجموع ( 35 / 243 ).
قال السعدي في منهج السالكين: والحلف بغير الله شرك لا تنعقد به اليمين.
الإستثناء في الأيمان
فلقد روى الحاكم (4/303) عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( من حلف على يمين ثم قال إن شاء الله فإن له ثُنْياهُ )
و قال : صحيح الإسناد ، و وافقه الذهبي
و قال الألباني : على شرط البخاري ، و رواه كذلك ابن حبان في الثقات .
انظر الإرواء (8/199)
وقال الشوكاني في النيل ( ج ٨ / ٢٥٣ ) قول النبي صلى الله عليه وسلم ( لم يحنث ) فيه دليل على أن التقييد بمشيئة الله مانع من انعقاد اليمين أو يحل انعقادها .
وقد ذهب إلى ذلك الجمهور وادعى عليه ابن العربي الإجماع .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح الممتع
فإن قال في اليمين المكفرة: ( إن شاء الله ) لم يحنث، أي: ليس عليه كفارة، وإن خالف ما حلف عليه.
مثال في اليمين بالله: قال: والله لا ألبس هذا الثوب إن شاء الله، ثم لبسه فليس عليه شيء؛ لأنه قال: إن شاء الله، ولو قال: والله لألبسن هذا الثوب اليوم إن شاء الله، فغابت الشمس ولم يلبسه، فليس عليه شيء.
والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه» ...
مثال النذر: لو قال: إن شفى الله مريضي فلله علي نذر إن شاء الله، فلا شيء عليه لو ترك، وكذلك لو قال: لله علي نذر أن لا أكلم فلاناً إن شاء الله، ثم كلمه فلا شيء عليه " انتهى من الشرح الممتع (15/ 139).
قال ابن القيم في الزاد ( ج ١ / ٤٧ ): وقد أجمع المسلمون على أن الحالف إذا استثنى في يمينه متصلا بها فقال لأفعلن كذا أو لا أفعله إن شاء الله إنه لا يحنث إذا خالف ما حلف عليه لأن من أصل أهل الإسلام أنه لا يكون شيء إلا بمشيئة الله فإذا علق الحالف الفعل أو الترك بالمشيئة لم يحنث عند عدم المشيئة ولا تجب عليه الكفارة
ومن حلف على شيء فرأى غيره خيرا منه
وبوب البخاري في صحيحه من حديث عَائِشَةَ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ يَحْنَثُ فِى يَمِينٍ قَطُّ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ، وَقَالَ: لا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتُ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلا أَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ، وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِى.
وعن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ عليه السَّلام: (يَا عَبْدَالرَّحْمَنِ، لا تَسْأَلِ الإمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُوتِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُوتِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، وَأْتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ) .
قال الطيبي : والمعنى من حلف يمينا جزما لا لغوا ثم بدا له أمر آخر إمضاؤه أفضل من إبرار يمينه، فليأت ذلك الأمر وليكفر عن يمينه. شرح المشكاة ( شرح حديث 3412 )
من كرر اليمين على شيء واحد ، ثم حنث لزمته كفارة واحدة .
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
أنا شاب حلفت بالله أكثر من ثلاث مرات على أن أتوب من فعل محرم ، سؤالي : هل علي كفارة واحدة أم ثلاث ، وما هي كفارتي ؟
فأجاب : "عليك كفارة واحدة ، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ؛ لقول الله سبحانه : ( لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ
مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ )
وهكذا كل يمين على فعل واحد أو ترك شيء واحد ، ولو تكررت ليس فيها إلا كفارة واحدة ، إذا كان لم يكفر عن الأولى منهما . أما إذا كان كفر عن الأولى ثم أعاد اليمين فعليه كفارة ثانية إذا حنث ، وهكذا لو أعادها ثالثة وقد كفر عن الثانية فعليه كفارة ثالثة .
أما إذا كرر الأيمان على أفعال متعددة أو ترك أفعال متعددة فإن عليه في كل يمين كفارة ، كما لو قال : والله لا أكلم فلانا ، والله لا آكل طعاما ، والله لا أسافر إلى كذا ، أو قال : والله لأكلمن فلانا ، والله لأضربنه ، وأشباه ذلك .
والواجب في الإطعام لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد وهو كيلو ونصف تقريبا .
وفي الكسوة ما يجزئه في الصلاة كالقميص أو إزار ورداء . وإن عشاهم أو غداهم كفى ذلك؛ لعموم الآية الكريمة المذكورة آنفا . والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (23/145).
اليمين الغموس
فقد أورد الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه من حديث عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ النَّبِىّ عليه السلام: (الْكَبَائِرُ: الإشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ) .
قال ابن بطال : اليمين الغموس هو أن يحلف الرجل على الشىء وهو يعلم أنه كاذب؛ ليرضى بذلك أحدًا، أو يقتطع بها مالا، وهى أعظم من أن يكفر، وجمهور العلماء لا يرى فيها الكفارة، وهو قول النخعى والحسن البصرى ومالك ومن تبعه من أهل المدينة، والأوزاعى فى أهل الشام، والثورى وسائر أهل الكوفة، وأحمد وإسحاق وأبى ثور وأبى عبيد وأصحاب الحديث.شرح صحيح البخاري { 6 / 131 }
قال ابن الملقن في التوضيح: سميت غموسًا؛ لأنها تغمس صاحبها في الإثم، ولا كفارة فيها عند مالك، قال مالك: هي أعظم من ذلك.
قال العثيمين : لأن الحالف على أمر ماض كاذباً عالماً ـ والعياذ بالله ـ جمع بين أمرين: بين الكذب، وهو من صفات المنافقين، وبين الاستهانة باليمين بالله، وهو من صفات اليهود، فإن اليهود هم الذين ينتقصون ربهم، ويصفونه بالعيوب، فحينئذٍ تكون يمينه غموساً. الشرح الممتع ( 15 / 131 ) .
قال العثيمين : فاليمين الغموس هي التي يحلف صاحبها على فعل ماضٍ كاذباً عالماً، ليقتطع بها مال امرئ مسلم، وهذا هو الصحيح؛ لأن الأول لا دليل عليه. الشرح الممتع ( 15 / 131 ) .
اللغو باليمين
فقد أورد الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه من حديث عَائِشَةَ لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ (قَالَتْ: أُنْزِلَتْ فِى قَوْلِهِ: لا وَاللَّهِ، وبَلَى وَاللَّهِ.
قال ابن رجب : فلغوُ اليمينِ لا كفَّارةَ فيه، وهو ماجرى على اللِّسان من غيرِ قصدٍ بالقلبِ إليه، كقوله: لا والله، وبلى والله في أثناءِ الكلامِ
قال تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} . جامع العلوم و الحكم ( ص 91 )
ولا يأثم بالحنث من أكره على اليمين
قال الشوكاني: (ومن أُكره على اليمين؛ فهي غير لازمة، ولا يأثم بالحنث فيها) الى أن قال ....
وتكليف الحالف بيمينه التي أكره عليها؛ من تكليف ما لا يطاق، وهو باطل بالأدلة العقلية والنقلية.الدراري المضية ( 2 / 310 )
كفارة اليمين
قال الشوكاني : وأما كون كفارة اليمين هى ما ذكره الله في كتابه العزيز فهو قوله: تعالى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} إلى آخر الآية راجع الدراري المضية
وقال البغوي في التفسير
( 3/ 92 ) : كُلُّ مَنْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فَهُوَ فِيهَا مُخَيَّرٌ إِنْ شَاءَ أَطْعَمَ عَشَرَةً مِنَ الْمَسَاكِينِ، وَإِنْ شَاءَ كَسَاهُمْ، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ رَقَبَةً
وهل يشترط في الصيام التتابع ؟
الجواب :
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (23/22) :
" الأفضل أن يكون صيام كفارة اليمين متتابعاً ، ولكن لو قطع التتابع فلا حرج في ذلك " اهـ .
تنبيه : لا يجوز إخراج القيمة في الكفارة
قال ابن قدامة رحمه الله : " لا يُجْزِئُ في الكفارة إِخراج قيمة الطعام ولا الكسوة ، لأن الله ذكر الطعام فلا يحصل التكفير بغيره ، ولأن الله خَيَّرَ بين الثلاثة أشياء ولو جاز دفع القيمة لم يكن التَخْيِِيرُ منحصراً في هذه الثلاث ... " اهـ . المغني لابن قدامة 11/256
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: ( على أن تكون الكفارة طعاما لا نقودا، لأن ذلك هو الذي جاء به القرآن الكريم والسنة المطهرة، والواجب في ذلك نصف صاع من قوت البلد ، من تمر أو بر أو غيرهما ، ومقداره كيلو ونصف تقريبا ، وإن غديتهم أو عشيتهم أو كسوتهم كسوة تجزئهم في الصلاة كفى ذلك ، وهي قميص أو إزار ورداء )
فتاوى إسلامية 3/481
والله الموفق
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
جمعه وأعده ولخصه: أخوكم أبومقبل يونس العدني عفرالله له
رد
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق